المحافظة على أوقات الصلاة
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
الرياض
29/3/1424
جامع الإمام تركي بن عبد الله
ملخص الخطبة :
1- وجوب أداء الصلاة في وقتها الشرعيّ. 2- فضل أداء الصلاة في وقتها. 3- أهمّيّة المحافظة على أوقات الصلوات. 4- تأخير الصلاة عن وقتها من علامات النفاق. 5- فوائد المحافظة على أوقات الصلاة. 6- المستخفّون بأوقات الصلاة. 7- الوقت أهمّ شروط الصلاة. 8- مشروعية الجمع بين الصلاتين للمسافر والمريض.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عبادَ الله، إنَّ من حكمةَ الربِّ جلّ جلاله أن جعل للصلوات الخمس أوقاتًا افترضَ على المسلمين أداءَ الصلاة في تلكم الأوقات، وجعل هذا الوقتَ شرطًا لصحَّة الصلاة، فأيُّ صلاة وقعت قبل وقتها فإنَّ هذه الصلاةَ غيرُ مقبولة إلا بُعذر شرعيّ، وجمعٌ من العلماء قالوا: من أخَّر الصلاة عن وقتها بلا عذر لم يجزه أداؤها، فقد ارتكب إثمًا كبيرًا وجُرمًا عظيمًا.
أيّها المسلم، إنَّ الله جلّ وعلا أوجب علينا أداءَ الصلاة في تلكم الأوقات لحكمةٍ عظيمة، قال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَـٰبًا مَّوْقُوتًا) [النساء:103]، أي: مقدَّرة في الوقت، وقال تعالى: (أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء:78]، (أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ) يشمل وقتَي الظهر والعصر، (إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ) يشمل المغربَ والعشاء، (وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ) صلاة الفجر، (إِنَّ قُرْءانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا).
ونبيُّنا يقول: "خمسُ صلوات افترضهنّ الله على العباد، فمن أحسن وضوءَها وأتمَّ ركوعَها وخشوعَها كان على الله عهدٌ أن يدخلَه الجنّة، ومن لم يحافِظ عليها لم يكن له عند الله عهد، إن شاء غفَر له وإن شاء عذَّبه"[1].
أيّها المسلم، الصلاة على وقتها من أحبِّ الأعمال إلى الله، سأل عبد الله بن مسعود النبيَّ قائلا: يا رسولَ الله، أيُّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قال: ثمّ أيّ؟ قال: "برّ الوالدين"، قال: ثمّ أيّ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قال عبد الله: حدّثني بهنَّ رسول الله ، ولو استزدتُه لزادني[2].
أيّها المسلم، أداؤك الصلاةَ في وقتها يجعلك من أهل الخير والصلاح، دخل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما المسجد، فرأى الجماعة يصلّون، فقال: أبشِروا، ليس فيكم من بَعث النّار أحد، ثم تلا قولَ الله جلّ وعلا: (مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلّينَ) [المدثر:42، 43]، بمعنى أنَّ أداءَكم للصّلاة في الوقت أمانٌ لكم من عذاب الله بتوفيقٍ من الله وفضل.
أيّها المسلم، إنّ وقتَ الصلاة قد عظَّمه الله في كتابه، عظَّمه نبيُّكم في سنّته، فعظِّموا ما عظَّم الله، فإنَّ تعظيمَه من شعائر الله، (ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَـٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ) [الحج:32].
أيّها المسلم، إنَّ نبيّنا كان يعظّم وقتَ الصلاة حقَّ التعظيم، شغله المشركون يومَ الأحزاب عن صلاة العصر حتّى غربتِ الشمس، فقال: "شغلونا، ملأ الله قبورهم وبيوتَهم نارًا، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتّى غربت الشمس"، ثم قام فصلى العصر، ثم صلّى بعدها المغرب[3].
أيّها المسلم، إنّ الله جلّ وعلا ألزم المسلمين بالمحافظة على الوقت حتّى في شدَّة الخوف ومصافَّة العدوّ، ففي إحدى مغازي النبيّ وهو مصافّ للعدوّ حضر وقتُ الصلاة، فقال المشركون: إنّها تحضرهم صلاة هي أحبُّ إليهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم، فإذا دخلوا فيها فباغتوهم، فأنزل الله صلاةَ الخوف، فكان يصلِّي بأصحابه صفًّا وراءه وصفّا تجاه العدو، فإذا قضى أولئك ركعة أتمُّوا لأنفسهم، ثمّ أتى الآخرون فأتمُّوا معه ركعة[4]، كلّ ذلك حفاظًا على الوقت ورعايةً لجانب الوقت.
أيّها المسلم، إنّ أداء الصلاة في وقتها عنوانُ الهدَى والبراءة من النّفاق وعلامة التوفيق، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظْ على هذه الصلوات حيثُ ينادى بهنّ، فإنّ الله شرع لنبيّكم سنَنَ الهدى، وإنّهنّ من سنن الهدى)[5].
أيّها المسلم، إنّ تأخيرها عن وقتها علامة النفاق، فالمنافقون الذين لا إيمان في قلوبهم لا يبالون بهذه الفريضة، أدَّوها في وقتها أم خرج وقتها، قال الله تعالى: (إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ) [النساء:142]، قال الله جلّ وعلا: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ) [مريم:59]، فسَّر أصحاب رسول الله إضاعةَ الصلاة بأنَّ ذلك تأخيرُها عن وقتها؛ إذ تركُها بالكلِّية كفرٌ والعياذ بالله، قال الله جل وعلا: (فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:4، 5]، فسَّرها الصحابة بأنَّ هذا السّهو هو عدمُ فِعل الصلاة في وقتِها.
أيّها المسلم، إنّ وقتَ الصلاة من حِكَمه ارتباطُ العبد دائمًا بطاعة الله، فإنّها خمسُ صلوات في اليوم والليلة، فأداؤها في هذه الأوقات تجعل العبدَ دائمًا على صلةٍ بربّه وارتباط قويٍّ بطاعة ربّه، تذكِّره الانتظامَ والالتزام بالوقت.
أيّها المسلم، أداؤك لها في الوقت سببٌ لمغفرة الذنوب واستغفار الملائكة لك وشهادتهم لك بالخير، يقول : "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكةٌ بالنهار، فيجتمعون في صلاة العصر وصلاةِ الفجر، فيصعَد الذين باتوا فيكم إلى ربّهم، فيسألهم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي؟ قالوا: تركناهم وهم يصلّون، وأتيناهم وهم يصلّون"[6]، فهنيئًا لك ـ أيها المسلم ـ وأنت تؤدِّي هذه الفريضة في وقتها المحدّد شرعًا، لتنالَ هذا الثواب العظيم.
أيّها المسلم، مِن الأسف الشديد أنّ البعضَ من إخواننا المسلمين ـ هدانا الله وإياكم صراطه المستقيم ـ استخفّوا بأوقات الصلوات، ولم يبالوا بها، ولم يقيموا لها شأنًا. ترى الواحدَ منهم لو اهتمَّ بسفره في وقتٍ ما وساعة ما لاستيقظ قبل ميعاد السفر بوقتٍ يضمَن فيه المحافظةَ على وقت السفر، تراه أحيانًا لو عِنده مواعيد مع طبيب لكان مسارعًا لذلك، ولو عنده موعدٌ لِتناوُل العلاج لكان محافظًا على هذا أشدَّ المحافظة، فما بالك ـ أيّها المسلم ـ بأوقات الفريضة؟! كيف تتهاون بها وتضيِّعها؟! البعضُ من إخواننا قد لا يصلِّي الفجرَ إلا بعد طلوع الشمس، وبعضهم ربَّما نام العصر فلم يصلِّ إلا بعد المغرب إلى غير ذلك من هذا التهاون والكسل وعدم المبالاة بوقت الصلاة، فاحذَر ـ أيّها المسلم ـ من هذه الخصال الذميمة، فإنّ من العلماء من يقول: الصلوات الخمس محدَّدة في الوقت، فكما لا تصحّ قبلَه فإنها لا تجرئ بعده إلا لعذر شرعيّ، يقول : "من نام عن صلاةٍ أو نسيَها فليصلّها إذا ذكرها، لا وقتَ لها إلا ذلك"[7]، ويقول: "إنَّما التفريط في من ضيَّع صلاة حتى دخل وقت الأخرى"[8].
فانتبِه أخي المسلم، واهتمَّ بفريضة دينك، واعتنِ بها العنايةَ المطلوبة، ليكون عملك صالحًا، وتحذَر من مشابهة المنافقين. فاحذر ـ أيها المسلم ـ التهاونَ بالوقت، وحافِظ عليه، فعسى أن تكونَ من المفلحين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.